الحب حرية؟!
الحب حرية!
عبارة تتردد على مسامعنا في الآونة الأخيرة، من صياغة دكتور هبة رؤوف عزت،
ولا يخفى على أي منا أن وقعها لطيف على النفس، بل أن وقعها يكاد يداعب الدماغ ويحفز
إفراز بعض الدوبامين الصحي.
ولأن لرأسي عادة فتاكة بها، من إمعان التفكير في جُلِّ الأمور، كان لـ"الحب حرية" نصيب من التفكير الطويل.
ولأن لرأسي عادة فتاكة بها، من إمعان التفكير في جُلِّ الأمور، كان لـ"الحب حرية" نصيب من التفكير الطويل.
الحب حرية... الحب حرية... الحب حرية...
ما هو الحب؟ ما هي الحرية؟ وكيف يكون الحب حرية؟
الحب هو اتصال بين روحين وتآلف بين قلبين. والحرية -اختصارًا وإيجازًا- هي
أن يكون للإنسان الحق في الاختيار -في التصرف والتكلم- ضمن حدود الله عز وجل وبما
لا يتعدى حقوق الآخرين. والحب بما فيه من ألفة واتصال -بفطرته وطبيعته- لا يقيد
هذه الحرية.
غير أن الحب -الحقيقي والمتبادل- في حد ذاته يحرر الإنسان من قيد آخر، وأرى أن هذا القيد هو قيد الوحدة.
غير أن الحب -الحقيقي والمتبادل- في حد ذاته يحرر الإنسان من قيد آخر، وأرى أن هذا القيد هو قيد الوحدة.
وقد نتساءل: كيف تكون الوحدة قيدًا، والإنسان لا يحمل فيها سوى هم نفسه؟
وأجيب: الوحدة في ظاهرها عامل محفز للحرية، فلا توجد التزامات لدى الواحد
منا سوى التزاماته بحق نفسه، وإن أهمل نفسه فلن يكون سواه قد تضرر، أما في الحب،
فهناك كيان آخر يتأثر بك -شئت أم أبيت، وشاء أم أبى، ومهما بلغت استقلالية كلٍ
منكما-. ولكن إن أمعنت التفكير لوجدت الوحدة عاملًا محفزًا للتعاسة ومثبطًا للعزيمة
ومثقلًا للخطى. في الوحدة لا شريك لك إلا نفسك، مقيدٌ أنت في أوقات حزنك وفرحك فلا
تجد من تركض إليه ليقاسمك شعورك ويفهم ما يختلجك، وإن أردت الإقدام على خطوة ما في
حياتك فأنت مقيد بحدود تفكيرك وعقلك، ليس هناك من يشاركك تفكيره وما استفاده من
تجاربه ويكون لك معينًا ومشجعًا وداعمًا في قراراتك، في الوحدة تجر نفسك مهما كنت
مثقلًا، مقيدٌ بما فيك من عزيمة وقدرة على المثابرة، أما في الحب، فهمها ثقلت خطاك،
سيظل هناك قلب آخر، يحملك حتى تعيد ملئ ذخيرتك وتواصل المسير نحو ما تبتغي.
وبالحب والاتصال، يعرف الإنسان نفسه؛ فاتصال الأرواح ليس بأمر هين، فاتصالها يعني انكشافًا حقيقيًا يحدث من تلقاء نفسه، مهما حاولت قمعه سيحدث -رغما عن أنفك- فأجدر بك ألا تحاول. ودون انكشاف تام لا يكون هناك اتصال حقيقي. وهذا الانكشاف ليس انكشافًا أمام الآخر فحسب، بل انكشافٌ أمام نفسك في المقام الأول. فعند كل حادثة، ودون حوادث على الإطلاق، وعند كل فعل يصدر منك، وكل رد فعل نحو الآخر، تعرف عنك أمورًا جديدة، وتكتشف خبايا في نفسك، وندبات قديمة في روحك. في الحب تقترب من نفسك وتكسر قيد جهلك بك.
وقيود الوحدة هذه التي تُكسَر بالحب، تُكسَر لدى الطرفين، فبقدر ما تتحرر أنت، فأنت تُحرِّر أليف قلبك. والحب -بفطرته- من جماله أنك كلما أعطيته زادت سعتك منه، وكلما استقبلته زاد عطاؤك منه. نعم، لن يخلو الأمر من المسئولية، ولكنها مسئولية مُحرِّرَة دافعة.
عندما يجد الإنسان الحب، أو يعثر الحب عليه، ويتحرر من قيد الوحدة، يستطيع
أن ينطلق في حياته لوجود مرساة ثابتة ومنارة مضيئة يستطيع العودة إليها، تثبت
قدمه، ترشده وتعينه، وتهديه إن ضلَّ الطريق، يجد عندها السكون وفيها الأمان؛ لأن
كل احتياج نفسي تكلَّف تلبيته لنفسه يومًا، وكل احتياج نفسي استعصت تلبيته قبلًا
لاعتماده على وجود آخر، قد بات اليوم ملبى. والإنسان إن استقرت سريرته، استطاع ما
لم يكن يستطعه، واستسهل ما استثقل، وأقدم موضع ما أحجم. الحب حرية!
الحب يحرر، لا يقيد حريتك الفردية قبله، ويدفعك نحو آفاق جديدة منها.
وختامًا نذكر كلام دكتور هبة:
"يا بني، الحب هو مشاركة الضعف، لا مغالبة القوة. يا بني، الحب الذي لا يعينك على تجاوز مخاوفك الدفينة وتجاربك الأليمة ولا يمنحك الأمان ليس حُبًا، بل هو وهم يستلب روحك ولا يحررها. يا بني، الحب حرية. يا بني، إن لم تكن نورًا لمن تحب فقد ظلمته وأظلمته."
رزقنا الله وإياكم حبًا يعيننا على الدنيا وعلى أنفسنا.
وعليكم وعلى أرضنا السلام.

تعليقات
إرسال تعليق