حتى اللقاء
أُفَضِّلُ أن أقول إلى اللقاء، ولا أحب أن أقول وداعًا؛ لأن الدنيا كما لها طريقتها المؤلمة في قطع ما اتصل وتمزيق ما التحم، فإن الحياة أيضًا لها طريقتها العجيبة في بثِّ الروح فيما قد عفى عليه الزمن، وجعل الطرق المتوازية تتقاطع بعد استحالة اللقيا. أُفَضِّلُ أن أقول إلى اللقاء، حتى وإن قال عقلي أنه الوداع؛ لأن قلبي يعِزُّ عليه أن يجزم باستحالة أمل يُسَلِّيه، ولأن التمييز بين صوت حدسي وصدى صدمات عمري يستغرق وقتًا لا بأس به. فإلى اللقاء، وبين الآن وحتى اللقاء، أتمنى أن تكون الدنيا حنونة عليك في تلقينك الدروس التي لولا ضرورتها لما اضطررنا إلى الفراق. أتمنى أن يهبك الله بصيرةً ترى بها حكمَته، وسعةَ صدرٍ تدركُ بها رمادية كل شيء حولنا، ومحبةً كبيرةً تَقبَل بها كل ذلك. أتمنى أن يصل اللين إلى روحك وعقلك كما رأيتُه في جوارحك. أتمنى ألَّا يغلبك الشيطان أبدًا، وألَّا يعميك عن أن ترى الجمال في كل شيء: أن ترى عظيم صنع الله في كل شيء. أتمنى ألَّا يجد الخوف طريقه إلى قلبك البريء أبدًا، ولإننا بشر فحتمًا سيتسلل إليك، لذلك أتمنى أن يهبك الله الثبات حينها لتَقْبَلَه وتغالِبَه حتى...